تقوم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدور فعال في دعم بيئة ريادة الأعمال في مصر، وذلم من خلال شبكة واسعة من مراكز الإبداع التابعة لها على مستوى الجمهورية، فضلا عن الانتشار الكبير في أوساط الشباب وطلاب الجامعات، من أجل نشر وتعزيز ثقافة العمل الحر، وخلق روح المبادرة لدى الشباب، في هذا الإطار التقت “كانفاس” الدكتور حسام عثمان، مستشار الابداع التكنولوجي لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمشرف على قطاع الابداع بهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا”، وذلك في إطار حوار شامل حول سبل دعم ريادة الأعمال وكيف يمكن تنمية اقتصاديات الشركات الناشئة في مصر؟.. وإليكم الحوار
في البداية.. ما مدى نمو سوق الشركات الناشئة في مصر مقارنةً بمستوى النمو في الشرق الأوسط وأفريقيا؟
تقع مصر في المراكز الثلاثة الأولى على مستوى الشرق الأوسط من حيث نمو الشركات الناشئة، وذلك من حيث عدد الصفقات الاستثمارية، وحجم الاستثمار، وذلك ضمن كل من الإمارات والسعودية، وعلى مستوى أفريقيا أيضا نقع ضمن المراكز الثلاثة الأولى مع نيجيريا وجنوب أفريقيا، والعام الماضي احتلت مصر المركز الثالث بإجمالي استثمارات بلغ 460 مليون دولار.
كيف يمكن تنشيط دور القطاع الخاص المصري في دعم وتشجيع الشركات الناشئة؟
الأساس بالنسبة للشركات الناشئة هو القطاع الخاص، فهو الذي يتولى تأسيس الشركات الناشئة، ولتشجيع القطاع الخاص للقيام بذلك يجب أن نقدم له الخدمات والحوافز المطلوبة، وذلك من منطلق أن أي شركة ناشئة تقوم من خلال مجموعة من رواد الأعمال من القطاع الخاص حيث يجدون فرصة أو فكرة قابلة للنمو المتسارع، ونحن نعمل دائمًا مع القطاع الخاص من خلال برامج تدريبية وخدمات احتضان على مستوى الدولة، والاحتضان يعني تقديم دعم نقدي وخدمات استشارية، فضلا عن مساعدة الشباب في تسجيل الشركات، كما تقوم جهات أخرى أيضا بتقديم الدعم للشركات الناشئة مثل الشركات العالمية على سبيل المثال “آي بي إم” و “مايكروسوفت” و”ديل” و”هواوي”، بالإضافة إلى ذلك فإننا نقدم دورات تدريبية متطورة في المجالات ذات الصلة، كما نستضيف منتجات هذه الشركات على الكلاود والحوسبة السحابية الحاصة بمايكروسوفت أو آي بي إم، كما نقوم بتقديم توجيه في مجال ريادة الأعمال أو “بزنس منتورينج”، حتى يتعرف رواد الأعمال على حجم الأسواق والتوجهات العالمية حتى يكونوا قادرين على وضع استراتيجيات تتسق مع التوجهات الدولية، والشركات العالمية نوع من أنواع القطاع الخاص وتعمل معنا في تنمية الشركات الناشئة، أيضا تقوم بعض الشركات المحلية الكبرى بمختلف أنواعها بتقديم الدعم والمساندة للشركات الناشئة، ويتم ذلك في إطار ما يعرف بـ “بي تو بي” أو “بزنس تو بيزنس”، وذلك لأن نمو الشركات الناشئة يصب في مصلحة هذه الشركات الكبيرة، لأنها تطلب خدمات ومنتجات منها، وهناك شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص لدعم وتشغيل مراكز الإبداع التكنولوجية التابعة للوزارة، فملا مركز إبداع قصر السلطان حسين كامل تديره شركة عالمية مقرها أمريكا، وهناك مركز إبداع بجوار جامعة القاهرة تديره شركة عالمية اسمها five hundred global وهي من أكبر الشركات في العالم في تحفيز الشركات الناشئة.
ما أبرز مجالات ريادة الأعمال الناجحة في مصر؟ ولماذا تبدو ريادة الأعمال في مصر أكثر تركيزاً على الجوانب التكنولوجية فقط؟
أكثر 3 مجالات جاذبة للتمويل والاستثمارات في مصر هي: التكنولوجيا المالية ومن أمثلها شركة “هايلاند” وقد أسسها منير نخلة، وتعمل في “المايكرو فاينانسنج” أو الإقراض أو التمويل المتناهي الصغر، هذه الشركة وصلت قيمتها السوقية اليوم إلى ما يقارب المليار دولار، وهناك شركة أخرى اسمها “باي موب” وأنشأها إسلام شوقي وزملائه من الجامعة الأمريكية، وهناك شركة أخرى تسمى “موني فالوز” وهي متخصصة في الجمعيات المالية”، وهي تطوير لفكرة الجمعية التقليدية، وقد أنشأها أحمد وادي، ويتمثل القطاع الثاني الناجح في التجارة الإلكترونية، مثل شركات “بلادي المغرب” و”مكسب” و”بريتفاست” و”المانيوز” و “كيمت” و”هومزمارت” ، فكل هذه شركات ناشئة ويتجاوز قيمة كل شركة 100 مليون، أما القطاع الثالث الناجح فهو الترانسبورتيشن والإلكترونيك موبيليتي مثل شركات “تريلا” و”بوسطة”، والتكنولوجيا مهمة طبعا لأنها تلبي احتياجات السوق، والشركة الناشئة هي شركة ممكن عمرها يكون من سبع لعشر سنوات ممكن أكثر أو أقل حسب تعريف كل دولة، لكن في كل الأحوال هي شركة “سكيلابل” يعني قابلة للنمو بسرعة وتملك نموذج عمل قابل للنمو، ومعظم الشركات تنمو بسرعة طبعا باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل جوجل وفيسبوك وأمازون لأنها شركات قائمة على منصات تكنولوجية وتضم مئات الملايين من المستخدمين، وضخامة عدد العملاء تجلب المزيد من أموال الإعلانات.
ما دور مبادرات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دعم رواد الأعمال؟
لدينا مبادرات كثيرة للغاية، لأن لدينا استراتيجية تركز على دعم رواد الأعمال، وعلى رأس تلك المبادرات مركز لريادة الأعمال يحمل اسم “الإبداع التكنولوجي لريادة الأعمال”، وهذا المركز يقوم على شبكة من مراكز الإبداع على مستوى الجمهورية، حاليا أصبح لدينا عشرين مركزًا داخل حرم الجامعات حتى نكون قريبين من الكثافة الشبابية والطلابية وتنتشر المراكز في أغلب المحافظات المصرية مثل المنيا وأسيوط وبني سويف والمنوفية والإسماعيلية وغيرها، وكل هذه المراكز تقدم خدمات وتدريبات للطلاب لتحويل الأفكار لنماذج عمل ناجحة، وكيفية تأسيس الشركات، فضلا عن تنظيم المعارض وعمل تشبيك مع المستثمرين لتوفير فرص للتمويل، كما نقدم برامج لانتقال الفكرة من مرحلة لأخرى، فمثلا عندنا برنامج “بري إنكيوبيشن” ومن خلالها نعطي للشاب مكتبا وتمويلا ونساعده في تأسس الشركة، كما نقدم له استشارات قانونية ومالية.
يواجه بعض رواد الأعمال مشكلات خاصة بالتمويل خاصة في بداية المشروع.. هل ترى أن مبادرات التمويل المختلفة كافية وتقدم حلولًا تمويلية شاملة؟
هناك تحديات بالفعل خاصة عندما يتطلب المشروع تمويلًا كبيراً، لكن بصفة عامة التمويل في مصر غير كافٍ، ولذلك أقترح إنشاء صندوق على مستوى الدولة بقيمته كبيرة، بحيث يتم من خلاله تشجيع الشركات الناشئة، ومن الممكن أن يدخل كمستثمر في إنشاء الشركات، والحقيقة أننا نعتمد بصورة كبيرة الآن على الأموال والاستثمارات التي تأتي من الخارج.
هل هذا يعني أن كل من يريد إنشاء مشروعه الخاص يحتاج إلى تمويل كبير كما ذكرت في حديثك السابق؟
بالطبع لا، فليس كل المشروعات تحتاج هذا التمويل الضخم، وإنما هناك شركات في مرحلة النمو المبكر وشركات في مرحلة التوسع هي التي تحتاج هذا التمويل الكبير، وكل شركة لها دورة حياة، فهناك مرحلة التأسيس حيث لا تحتاج الشركة تمويلا كبيرا ومن الممكن أن تحصل على التمويل الكافي من الحكومة أو حضانات الأعمال وفي هذه المرحلة تطرح الشركة منتجا مبكرا، ثم تأتي مرحلة النمو المبكر وفي هذه الحالة تتطلب الشركة تمويلا كبيرا من أجل دعم عمليات التسويق والتوسع واقتناص نصيب من السوق المحلي، فضلا عن السعي لتقديم منتج الشركة خارج مصر، وفي هذه الحالة قد تطلب الشركة تمويلا يصل إلى 100 مليون دولار.
ما رأيك في برامج المسابقات الخاصة بريادة الأعمال مثل الشاركس؟ هل تتابعه؟ وما رأيك في النماذج المقدمة به؟
نحن كوزارة كنا أحد الرعاة في الموسم الأول للشارك تانك، لأنه بالنسبة لنا فإن هذه البرامج يجب تحفيزها ودعمها ونشرها كجزء أساسي من زيادة الوعي عند الشباب بأهمية ريادة الأعمال، لأننا نريد من الشباب ألا يتوقف تفكيرهم عند الوظيفة التقليدية، وإنما نريده أن يفكر في البدائل، وأن يقوم بإنشاء شركته الخاصة، كما نريد منه أن يفكر في أن يعمل في العمل الحر أو أن يعمل في شركة عالمية، ومن المعروف أن كل نماذج العمل الجديدة تتم باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ونحن نريد أن تنتشر بين الشباب هذه الأفكار، وبالطبع مثل هذه البرامج تقدم الفرصة للشباب ليطرح رؤيته، كما يقدم أمثلة ناجحة وقصصا لشباب بأفكارهم الجديدة، وتوفير مصادر دخل لهم، وطبعا هذه البرامج مهمة في تعليم الشباب المبادىء الصحيحة، وكيف يضع سعراً مناسباً لمنتجه، ماذا يعني أن يعرض فكرته لمستثمر؟ وكيف يتحدث بالكلمات المختصرة المفيدة، وبالتالي يقدم البرنامج خدمة توعوية وتعليمية وفي نفس الوقت يتم تثقيف الشباب ومساعدتهم في طريقة تفكيرهم.
ما رأيك في استهداف أغلب الشركات الناشئة المصرية للتمويل الخارجي أو بيع أسهمها لمستثمرين أجانب؟
في النهاية هذا شئ طبيعي، فهذا يجب الاستثمار من خارج البلاد ويساعد في دخول العملة الصعبة إلى البلد وطبعا توفير فرص عمل فلا يوجد أي مشكلة في أن تكوم الشركات الناشئة من الموارد الأساسية لتوفير العملة الصعبة في مصر، كما أن هذا يسهم في الترويج لوضع مصر ويقدم صورة ذهنية إيجابية عن مصر، ويسهم ذلك في دعم عمليات التطوير وعمليات البحث وإنتاج الخامات والمنتجات، كما ان الاستثمار الأجنبي ينقل معه المهارات والتكنولوجيا.
لكن هناك مخاطر أو خسائر ربما تترتب على بيع الشركات الناشئة أو نقل نشاطها خارج مصر؟ هل تتفق معنا في الرأي؟
العيب أو الخسارة الموجودة في هذه الحالة أن الأرباح ستخرج إلى خارج مصر، مما يعني أن جزءًا من الاستثمارات ستتجه خارج البلد، لكن في المقابل فإن هذه الخطوة تفيد في تدعيم الصورة الذهنية لمصر كمركز للإبداع العالمي وريادة الأعمال، كما يساعد ذلك في نمو الإيكو سيستم أو تحفيز الإيكو سيستم أو بيئة ريادة الأعمال بصفة عامة، وذلك من خلال تبادل الخبرات الإدارية والخبرات المالية، وتظل الميزة الأكثر أهمية وهي جلب المزيد من التمويل بما يضخ في استثمارات في بيئة ريادة الأعمال بمصر.
في اعتقادك.. ما الذي ينقص رواد الأعمال المصريين؟
ينقص رواد الأعمال ما نطلق عليه “ديب تيك” بمعنى أن رائد الأعمال المصري ينقصه أحيانا أن يعرف كيف يستفيد من التكنولوجيا بامتصاص بنيتها العميقة التكنولوجيا المتطورة الحديثة، وهذا يتطلب المزيد من التدريب، كما أن الخبرات الإدارية والمالية تحتاج لإتقان المهارات التكنولوجية.
تحتل مصر المرتبة الثالثة أفريقيا في جذب استثمارات الشركات الناشئة بعد نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا.. لماذا لم تأت مصر في المرتبة الأولى؟
هناك منافسة كبير على مستوى العالم في جذب الاستثمار، وهذا الترتيب ليس ثابتا وإنما أشبه بالكراسي الموسيقية، وحتى نصعد للمركز الأول يجب أن نعمل على تشجيع الاستثمار الأجنبي وتقديم الكثير من الحوافز، فضلا عن تطوير بيئة ريادة الأعمال من خلال التدريب العملي المستمر.
في رأيك ما أبرز التحديات التي تواجه مجال ريادة الأعمال في مصر؟
التمويل والتدريب والحاجة لتزويد التعليم في الجامعات بمهارات ريادة الأعمال، حتى يعرف الشباب المزيد من المعرفة حول الشركات الناشئة، والتحدي الثالث أن بيئة الأعمال في مصر من ناحية الضرائب والجمارك وعمليات التشغيل تحتاج قدرًا من التيسير أكثر مما هي عليه الآن، كما أن بيئة الأعمال محتاجة تحسين كبير وتعليم ريادة الأعمال في الجامعة أساسي بطريقة شيقة وجذابة، والإجراءات الإدارية تحتاج لتحسينات.
ما مستقبل ريادة الأعمال في ظل التطور التكنولوجي الذي يواجه هذا المجال في عصرنا الحالي؟
ريادة الأعمال تتطلب إبداعا من نوع خاص، حتي يمكننا إنشاء شركات ناجحة وتنمو بسرعة كبيرة فالتكنولوجيا الحديثة محركات للإبداع. فهي مثل الوقود والمحرك الذي يغذي العملية الإبداعية. ومع كل تكنولوجيا جديدة تتولد أفكار جديدة أيضًا، مثل الذكاء الاصطناعي فهو يتيح فرصا عديدة.
وماذا عن تأثير الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد؟
أي تكنولوجيا جديدة تتسبب في تغيير المقاييس والأولويات في سوق العمل، من حيث المؤهلات والمعارف وأولويات التوظيف وهذا شيء طبيعي، وأي إنسان يجب أن يطور من أدواته حتى تتناسب مع التطور التكنولوجي من خلال ما يسمى بالإبسكيلنج أو ريسكيلنج، بمعنى أن يكون قادرا على رفع مستوياته أو يعدل معارفه لتتناسب مع الجديد، والإنسان الذي يتوقف عن التطوير هو ذلك الإنسان الذي سيظل بعيدا عن الفرص الجديدة وربما يفقد وظيفته الحالية، فالمسألة هنا تحكمها القدرات، والدولة توفر برامج للتأهيل وبناء القدرات في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والبرمجة حتى يكون الشباب قادرين على المواكبة مع الجديد.