«بنانا أرت» هي إحدى المبادرات الشبابية الناجحة لإعادة استخدام ألياف الموز في إنتاج حقائب ومستلزمات ومشغولات يدوية مختلفة، بداية المبادرة كانت من خلال تأسيس شركة ناشئة صغيرة تحمل اسم “بنانا آرت” أو فن الموز، حيث قاد التجربة أربعة رواد أعمال من قرى مختلفة بمحافظة سوهاج، وانطلقت الفكرة إلى حيز الوجود عام 2020، وقد برع الشركاء فى استغلال مخلفات الموز التي كانت تسبب مشكلات بيئية وتحويلها لمنتجات وخدمات تساعد مجتمعهم المحلي، وتحافظ في الوقت نفسه على نظافة البيئة من حولهم خاصةً في بعض المراكز بسوهاج مثل “ساقلتة” التي تشتهر بزراعة الموز. بداية المشروع كانت على يد «محمد يسري» الشاب السوهاجي، الذي كان يعمل بجمعية أهلية لتدريب الشباب على الحرف المختلفة مثل الخياطة وتحويل المخلفات إلى سماد عضوى، حينها وجد فى مخلفات شجر الموز الكثير من المياه والألياف داخل الساق ما شجعه على إقامة المشروع.. وهو ما سنتعرف عليه في سطور الحوار التالي:
في البداية سألته.. كيف استلهمت فكرة المشروع؟
جاءت الفكرة من مشكلة تواجه المجتمع الذي أعيش فيه وهى مخلفات أشجار الموز، حيث تُعد سوهاج من أكثر المحافظات المنتجة للموز، وفى موسم زراعة الموز يقوم المزارعون بالتخلص من مخلفاتهم بعد قطع الثمار من الساق، ويالقون بها فى الطرقات والترع ونهر النيل، وتكون الكمية كبيرة جدا، ويبلغ حجم إنتاج هذه المخلفات نحو 56 ألف طن حسب إحصائيات مديرية الزراعة بسوهاج خلال الموسم بالمحافظة وحدها، مع العلم أن شجرة الموز تنتج مرة واحدة فقط، لهذا تكون كمية المخلفات كبيرة. بعض المزارعين يقومون بحرق المخلفات مما يؤدى إلى انبعاث الأدخنة الضارة والملوثة للبيئة، وفي أثناء هذا الموسم تنشأ العديد من المشكلات سواء بين المزارعين وبعضهم بعضاً أو بين المزارعين والمارين فى الطريق أو مع شئون البيئة، حيث إن شؤون البيئة تقاضى هؤلاء المزارعين فيصبحوا عُرضةً للغرامات بما يعادل 7 أو 8 آلاف جنيه. ومن هنا جاءت فكرة المشروع لحل تلك المشكلات.
كم من الوقت استغرقت لإثبات أنه يمكن الاستفادة بمخلفات الموز كمشروع إنتاجي؟
بعد العديد من البحوث والاختبارات والاستنتاجات توصلنا نحن الشركاء فى مدة تعدت 9 أشهر إلى أنه يوجد حل لهذه المشكلة، وهي أخذ ساق الثمرة واستخلاص الألياف منها، فى البداية كنا نقذف بالسيقان فى الحائط للوصول إلى هذه الألياف كطريقة بدائية، وبعدها علمنا أنه يوجد آلة (ماكينة) فى الهند وقد بالفعل باستيرادها، استطعنا استغلالها بأفضل صورة، وأصبح من الممكن رؤية الألياف المنبعثة من الساق، وهذه كانت أول وأهم خطوة توصلنا إليها.
ما سبب اختيارك لمخلفات الموز تحديداً من بين المخلفات الزراعية الأخرى؟
نحن لم نختر هذه المخلفات، بل هى كانت مشكلة مفروضة علينا فى مجتمعنا، وكان من المفترض أن نجد حلا لها.
هل كان الهدف الأول من هذا المشروع هو المحافظة على البيئة؟ أم إنشاء مشروع مربح للقضاء على البطالة وخلق فرص عمل؟
أولاً هذه الفكرة مرت الكثير من التجارب والكثير من الوقت والجهد والمال، ومع ذلك كانت بالنسبة لنا مبادرة مجتمعية غير هادفة للربح نهائيا، بل كان هدفنا هو مساعدة مجتمعنا الذى نعيش فيه، لكن مع تطور الأمر وشراء الآلات باهظة الثمن وغيرها، كنا نحتاج إلى المساعدة، ووجدنا الدعم والمساندة من خلال مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، من خلال استيراد الآلة من الهند، وحضور التدريبات مع بعض الجهات حتى نتوصل إلى صياغة دقيقة للفكرة أو المنتج النهائي، وبالفعل هذا المشروع يوفر فرص العمل، حيث يوفر مشروعنا فرص عمل لـ23 فتاة تعملن على إخراج المنتج النهائى، بالإضافة للمزارعين الذين يحضرون مخلفات زراعتهم ويستفيدون بطرق غير مباشرة، والهدف الثالث هو إحياء الحرف اليدوية فى الصعيد بشكل خاص والتصدير لمصر وخارج مصر، وبالفعل قمنا بعمل معارض في إيطاليا وباريس والكويت والأردن بمنتجاتنا.
ما مراحل استخدام مخلفات الموز في المشروع؟ وما أبرز المنتجات النهائية التي تصنعونها؟
بعد الوصول للخطوة الأولى باستخراج الألياف، قمنا بعمل اختبارات مع كلية العلوم بجامعة أسيوط، وتوصلنا إلى أن لهذه الألياف فوائد عديدة منها أن هذه الألياف قوية وقادرة على تحمل أشعة الشمس وقابلة للألوان، وبالتجارب التي أنجزناها مع وزارة الزراعة توصلنا إلى أن المياه الصادرة من هذه المخلفات باستطاعتها أن تحل محل الأسمدة الكيماوية التى يستخدمها المزارع، وتوفر على المزارع بنسبة أكثر من 25 إلى 35 بالمائة من الكيماويات التي يستخدمها، وبناء عليه فإن ساق الشجرة أو المخلفات التي يلقى بها المزارع بها مزايا واستخدامات كبيرة سواء من الألياف أو من المياه المستخرجة منه، ومن هنا بدأنا بأخذ هذه المياه وتوزيعها على المزارعين كهدايا بهدف التعاون معهم، أما الألياف فقد توصلنا إلى منتجات نهائية، فقد أنتجنا منها حقائب وإكسسوارات ونعمل الآن على استخراج ورق من هذه الألياف.
هل واجهت صعوبات إثناء تأسيس مشروعك؟
بالفعل واجهنا العديد من الصعوبات والتحديات، فالناس لم تكن تعلم ماذا كنا نفعل بهذه المخلفات فكان هناك تحديات من قبل المزارعين والكثير من التساؤلات مثل: لما تأخذون المخلفات؟ وماذا تفعلون بها؟، ومن الصعوبات أيضا أنه لم يكن هناك مكان لتخزين المخلفات ولا مكان لإجراء التجارب، ولم يكن هناك من يمد لنا يد العون، كان من الصعب الوصول للمعلومات سواء إحصائيات أو من المزارعين، حتى عندما توصلنا للمنتج النهائى واجهنا تحديات التصدير أو عدم معرفة الجمهور بالمنتج، كذلك لم نستطع فى البداية المشاركة فى المعارض لتعريف الجمهور بنا، وحاولنا تسليط الضوء علينا حتى توصلنا للإعلام وبعض الشخصيات ليتبنوا هذه الفكرة معنا ويساعدوننا، وهذه الصعوبات تواجه الشباب والشركات الناشئة بصفة عامة.
هل تلقيت عروضاً لشراء أسهم من مشروعك؟
بالفعل كان هناك العديد من المستثمرين الذين عرضوا علينا الشراكة لكننا رفضنا، لأن المشروع لم يكن استثماريا أو ربحياً، بل كان الهدف هو الاستثمار المجتمعي والمحافظة على البيئة وتوفير فرص عمل وهذه الأهداف لم تكن تتلائم مع بعض المستثمرين، وأيضا أنا وشركائي أردنا أن نبني هذا المشروع بأسلوبنا الخاص.
ما هي طموحاتك بالنسبة لشركتك الناشئة؟ وما خطط التطوير المستقبلية؟
لدينا طموحات كبيرة جدا منها توسيع الشركة فلا تقتصر على مصر فقط، بل مصر والوطن العربى وأفريقيا بالتحديد لأنها غنية بمخلفات الموز بشكل كبير، كما نأمل أن نتوسع أيضا بمنتجاتنا لنصل لأسواق أمريكا وأوروبا، ونتطلع لضم أعداد هائلة من الموظفين فى محافظات مختلفة فى مصر، ونتطلع لأن يكون هناك استثمار كامل فى جميع المخلفات ليس فقط مخلفات الموز، وهذه الفترة نعمل على التركيز في مخلفات أخرى.
بماذا تنصح الشباب لإنشاء مشروعاتهم الجديدة والمفيدة؟
أنصح الشباب بأن تكون المشروعات الصغيرة أو الأفكار المبتكرة وسيلة حقيقية لتحقيق الذات والوصول بوقت وجيز للهدف، ومع الأسف الوظائف الحكومية ستضعك فى مكان لن تستطيع التحرك فيه، وأنا أرى أن المرتب الثابت أو الوظيفة الحكومية تقتل طموح الشاب في مراحل مبكرة له، ومن وجهة نظري فإن أفضل وسيلة لنجاح أي شاب ووصوله لتحقيق أحلامه هي مواكبته للتغيرات السريعة الاقتصادية والاجتماعية والحياتية التي يعيش في إطارها، ويجب أن يكون لديه فكرة مبتكرة أو يطور فكرة موجودة أو يبتكر شيئاً المجتمع بحاجة لها.